The villainess lives twice - 4
“لا بد من إسقاط لورانس بأي وسيلة، ولكن الفجوة بين القوى واسعة للغاية، أنا ورجالي لا نفقه سوى الشؤون العسكرية، ولا نملك فكرة حول كيفية تضييقها”
رمشت بغير تصديق في اثناء تحديقها به، صار وجهه الذي ظنته كالتمثال متوهجا كالشمس في لحظة، وعلى الرغم من انه لم يرفع صوته بعد، ولكن كان كأنه يصيح.
” أعلم أنكِ امرأة غاية في الذكاء”
“… ”
” لا أحسبك لا تمتلكين البصيرة لاختيار السيد المناسب، ولكنني أظن أن عاطفتك تجاه عائلتك قد أعمتك، وعلى الرغم من أنك قد اقدمت علي العديد من المخططات الرهيبة، إلا أن ذلك من أجل لورانس”
أضاف
” إنك الشخص الوحيد القادر على قلب الموازين، ماركيزة روزان، أحتاج إلى مساعدتكِ. ”
ثم أحني رأسه، بل جثي على الأرض حتى لامست جبهته التراب، وكأنه لا يحسب أن الانحناء وحده كافٍ لإقناعها.
فذُهلت، واهتزت من الداخل، ما كان بإمكانها الجلوس باستقامة وعندما ارتجفت أطرافها أوشكت على السقوط لولا أن الخادم قد اسرع وساندها.
ثم رفع سيدريك رأسه و حدق بها وبؤبؤي عينيه يبرقان كالفحم المحترق:
” والآن بعدما ماتت العاطفة التي تكنيها نحو عائلتك، ألم تشعري بالندم على سقوط الإمبراطورية في الخراب عندما رأيتها بأم عينيك؟”
فنظرت إليه في صمت عاجزة عن النطق، وأضاف :
“أعلم أنك مجرد مخططة، لستِ شيطانًا، لستِ كلورانس، ألم تفكري أن تفعلي الخير يوما بالقدرة التي تملكينها؟”
لطالما اعتقدت أنها لا تملك أي حق للندم، كان الناس على حق، لو أن هناك ساحرة قد أبرمت ميثاقًا مع الشيطان، فلا شك ستكون هي ولا أحد غيرها.
ولو فرضت جدلا أنها قد غيرت من نفسها، ما عادت تمتلك لسانا حتى تتكلم، ولا أصابع حتى تكتب، ولا يمكنها التفكير بجسدها المنهك والموجوع.
” ما زلتِ ذات عقل لامع، ماركيزة روزان، تستطيعين الكتابة بفمك، أو بمساعدة شخص آخر، لا شيء مستحيل ما دمت حية، يمكنك تحقيق أي شيء طالما تملكين الارادة والعزم، أنا أحتاج إليك”
حدقت نحوه برهة في صمت، وباتت رؤيتها ضبابية.
كان موقفا هزليا بالمرة؛ لم تسمع هذه الكلمات تغادر فم لورانس يوما، من أفنت عمرها من أجله، في حين، نطق بها سيدريك، الشخص الذي دمرته.
ترجمة نور الخضراء
كانت تعرفه حق المعرفة، كانت تعرفه كعدو أفضل من أي شخص آخر في العالم، لا بد وأن الاستياء المتراكم في صدره أحر من بحر من الحمم، يتوقع الآخرين منه أن ينتزع حياتها، أن يمزقها إربا إربا، بيد انه الآن ينحني أمامها لغرض نبيل.
ومع ذلك، لم تستطع إلا أن تهز رأسها مرة أخرى، كانت جيدة في التلاعب بالآخرين ودفعهم للقيام بمصالحها، وفي التآمر، والقتل، لم تكن تتقن الاستراتيجيات التكتيكية، كما أنها لن تستطيع إنجاز أمر لا يقدر على القيام به.
ولو كانت استراتيجيًا لامعًا، فلا يمكن التغلب على الخلل الحالي في توازن القوى.
“فهمت.”
أدرك فورا سبب رفضها، وقال بشكل رسمي:
“إذا، حتى أنت لا تستطيعين فعل أي شيء حيال الوضع الراهن”
فتساقطت الدموع من عينيها بالعشرات…
لقد صممت منذ لطخت يديها بالدماء للمرة الأولى في حياتها ألا تندم أبدا حتى توافيها المنية.
لا يمكن الصفح عن كل ما اقترفته يداها فقط لأنها ندمت لاحقا بعد ارتكابها..
وقد اعتقدت، إن لامها الموتى، فحري بهم لوم القدر على ولادتهم، فلا أحد بريء في هذا العالم باستثناء حديثي الولادة، لا، بل الوليد نفسه آثم على ولادته، مثلها تماما، وكذلك شقيقها…
ولكن من تخدع؟ ما انفكت عن التحسر!
لقد تجمع الندم المتراكم في اعماق صدرها، أضحى صخرة ضخمة أصابت قلبها في مقتل.
“اعتذر على طلبي غير المعقول”
ونهض ثم أضاف:
” لا يمكنني توفير إقامة أفضل لك بسبب ظروف الثكنات العسكرية السيئة، ولكن سأرسلك قريبًا إلى الريف مع بعض رجالي، أتمنى أن تعيشي بقية حياتك بسلام”
ولم يسعها سوي النظر إليه وعيناها غارقتين بالدموع.
وفي تلك الليلة شدت من عزيمتها، وفكرت ونفسها في طريقة لإصلاح كل شيء.
قد لا يوجد سبيل في الوقت الحالي، ولكن في الحقيقة كانت تملك طريقة.
نزلت عن السرير ببطء زحفاً، وجلست على الأرض.
لم تكن ترغب في استخدامها لأنها هي المذنبة، لم تعتقد يوما أن لورانس هر المسؤول عن كل أخطائها، لقد رغبت في الموت والتعفن محتضنة كل الشر الذي ارتكبته من أجله.
إلا… إلا أنه لا توجد خطة غير هذه الطريقة…
فلو كان ميزان القوة مائلا ميلا لا يمكن عكسه، فأن كل ما عليها فعله هو إعادة الزمن إلى قبل حدوث هذا الميلان.
عضت ما تبقى من لسانها وبدأت تزحف حتى ترسم دائرة سحرية بالدم.
لقد اختفى السحر منذ وقت طويل من العالم، بيد أن طريقة استخدامه لا تزال تمرر من جيل إلى جيل، إذ ترسم الدوائر السحرية بالدم ويتطلب أضحيا بشرية.
لم يكن السبب الرئيسي في اختفاءه تقديم الأضاحي إنما ندرة الأشخاص القادرين على رسم الدوائر بشكل دقيق، لأن الكلمات المستخدمة في السحر تعود إلى لغة بائدة قديمة، وحتى لو تمكن أحد ما من نسخها فلا يمكنه أن يستفيد أتم الاستفادة كما يحلو له، غير أنها قادرة على ذلك، كانت من أولئك القلائل الذين يستطيعون وبكل سهولة كتابة الكلمات الميتة من تلك اللغة الغابرة، فقد سبق ودرست السحر ذات مرة لاستخدامه في أعمال الشر.
واستمرت في عض لسانها وفمها من الداخل حتى تنزف وتنزف أكثر فأكثر، كان عليها رسم دائرة ضخمة بالدم المراق من لسانها المقطوع.
استمرت في الرسم طوال الليل، لم تكن تملك فرصة ثانية، إنها مرة واحدة عليها اكملها على صحيح، في مرحلة ما، تشوش ذهنها، فكان عليها العض على لسانها بشكل اقسي حتى تظل واعية ومستيقظة.
قبيل الفجر، انتهت من الرسم، وانهارت في منتصف الدائرة السحرية بسبب فقدها الكثير من الدماء.
والان، التضحية البشرية المناسبة!
ثم اغمضت عينيها بلا حول ولا قوة.
بدأت الدائرة السحرية تأكل حياتها وتشع باللون الأزرق، لاحظ سيدريك حدوث شيء داخل الخيمة، فأنطلق إلى الداخل حتى يتحقق مما يجري، ونظر إليها والدهشة تعتريه.
ولكن الدائرة قد بدأت العمل فعلا ولم تحتج مزيدا من الأضاحي، وشع منها ضوء باهر منع أي أحد من الاقتراب.
وقد كان آخر ما فكرت به لحظتها:
اتمنى أن تتحقق كل أمانيك في حياتك التالية…
سرعان ما أصبح السحر عمودًا من الضوء يمتد إلى الفضاء إلى ما لا نهاية، أضاء السماء الليل البهيم.
كان الليل في اواخره عندما فتحت عينيها مجددا، حركت ساقيها أسفل البطانية، وكذلك يديها، ثم لمست بطرف اصبعها لسانها، وحاولت التحدث بصوت عالي، فأتى صوتها جهوريا وواضحا:
“هل ارتكبت أي خطأ أثناء كتابة السحر؟”
لقد كتبت بالأحرف القديمة كلمات دائرة السحرية مفادها:((مقابل حياة ارتيزيا روزان سوف يعود الزمن إلى الوراء))
ولهذا السبب قد حسبت نفسها ستموت، ولكنها ما زالت حية ترزق! وليس هنالك اية جروح ولا ألم في جسدها على غرار الصخرة التي شكلها الندم، فما زالت تجثم في قلبها، وتستمر في طعنها.
ومدت يدها عاليا فقد خالجها شعور غير مألوف، فسقط ضوء القمر المتسلل عبر النافذة على اصابعها الشاحبة وصبغها، حدقت فيهن صامتة، ثم خلعت عنها البطانية، ونهضت من السرير، ثم اشعلت مصباحا زيتا، وذهبت حتى ترى نفسها في المرأة.
“لقد عدت”
عكست المرآة وجه فتاة ذات شعر اشقر باهت وأعين تركوازية، لمست وجنتها بأطراف اصابعها، وقد راودها شعور كأن هذا الوجه لا ينتمي لها.
هل كان وجهي هكذا؟
وقتئذ أدركت أنها ما كانت تعير اهتماما لنفسها، نادرا ما نظرت إلى وجهها في المرآة، وإذا فعلت، كرهت أنها لا تشبه أفراد عائلتها مطلقا.
لطالما قالت لها والدتها أنها قبيحة للغاية ولا تطيق حتى النظر إلى وجهها، بينما نادرا ما نظر إليها لورانس بشكل مباشر، أوليس من الطبيعي بين الأخوة عدم الانتباه لمظهر بعضهم البعض؟
على الرغم انها كانت ملزمة على الاهتمام بشكل خاص بمظهر شقيقها لأجل صورته في الاوساط الاجتماعية.
ثم استدارت بعد ذلك وعادت إلى غرفة نومها.
لم تكن تخطط للعودة بنفسها، كان هدفها منح سيدريك فرصة أخرى، ستضعف قوى شقيقها على نحو عظيم بدونها، وأما عن ميرايلا التي تملك تلك قدرة على التلاعب بالإمبراطور نفسه، فقد كانت ذات شخصية مهووسة واندفاعية، ومهما اجتهدت في تنفيذ مخططاتها فلا بد من أن تترك وراءها بعض الثغرات، في حين، لم يكن لورانس شخصا يجيد التآمر في الأصل، وعلاوة أنها كانت من وضعت سيدريك نصب عينيه.
وقتذاك، بما أنه ابن أخت الامبراطور وحتى قبل أن يشكل خطرا على الساحة السياسة، فقامت بوضعه تحت السيطرة بتكبيل ذراعيه وقدميه.
ولو أنها لم تفعل شيئا، لكان قد حافظ على قوته حتى اللحظة الحاسمة، ورغم كل الأضرار التي الحقتها به، فقد قاوم لورانس حتى الرمق الأخير من حياته.
المهم أنني قد عدتُ، وعليه يجب أن أفعل شيئا!
لا بد أن هناك سبب لعودتها على قيد الحياة سواء أكان خللا في السحر ذاته، أو أي مشكلة أخرى.
وفجأة رنت في عقلها كلماته
“أنا أحتاج إليكِ”
تذكرت تلك اللحظة التي طأطأ رأسه أمامها، فشعرت بثقل على صدرها، ووضعت يدها برفق على نصفه الأيسر.
وفي موقف أشبه بالعهد عزمت؛ مقابل ركوعك أمام الشيطان، حصلت على شيطان تتسخ يديه من أجلك.
ومضت إلى مكتبها الصغير، واخرجت مذكرة من أسفل درج، وفتحت آخر صفحة.
الثاني من يونيو سنة اثنان وثمانين وأربعمائة في التقويم الإمبراطوري
كانت قد بلغت ربيعها الثامن عشر قبل ثمانية أيام، ولا يزال أمامها عامين حتي تبلغ العشرين، وحينئذ تستطيع وراثة لقب الماركيزة روزان.